لا يجدون مساحة إلاّ ويحولونها منبراً يصدح للحريّة. من التظاهر في الشوارع إلى صفحات الإنترنت. تتعدد أساليبهم وتتنوع أشكال احتجاجاتهم، إلا أن المطلب واحد. استعمالهم لصفحات الإنترنت لم يعد يقتصر على النشرات الإخباريّة التي يزودوننا بها، بل باتت تبث إبداعاتهم التي تجسد الفن بجميع جوانبه.
الصفحات التي تعنى بالفن في سوريا وتنشر أعمال الفنانين السوريين من رسمٍ وغناءٍ وفيديوات باتت كثيرة. لذا كان لا بدّ من مهرجان يجمعها تحت لوائه. هذا ما قام به مجموعة من الشباب السوريين. بعد أن أصدرت السلطات السوريّة قراراً بتأجيل مهرجان دمشق السينمائي، باشروا هم بالتحضير لمهرجانٍ يتناسب مع ملامح سوريا الجديدة. فهم على إيمان مطلق أن القرار أصبح بيد الشعب وليس بيد النظام.
المهرجان افتراضي، أقيم في نصف شهر كانون الثاني 2011 على صفحات الإنترنت، تجنباً لمضايقات واعتقالات يشنها رجال الأمن والمخبرون قد تؤدي إلى فشل المهرجان بأحسن الأحوال. مدّة المهرجان كانت ستة أيام عرضت أثناءها أفلام عديدة من سوريا. الصفحة حصدت أكثر من ألف وثمانمئة مشاهد. هذا العدد لم يكن دوره فقط مشاهدة الأفلام، بل كان لجنة تملك الحق في التصويت لاختيار أفضل فيلم. بالإضافة إلى جائزة الجمهور التي نالها فيلم "جحيم الأرض" للمخرج محمد دياب، كان للمنظمين رأي في إعطاء جوائز لفيلمي "حرية" للمخرج فيليب حوراني، و"قصة سوريّة قصيرة" للمخرج محمد عمران وداني أبو لوح.
يهدف المهرجان حسب قول أحد المنظمين إلى تكريم الشباب الأبطال الذين يعرّضون أنفسهم للخطر في سبيل تصوير المظاهرات وتوثيق الانتهاكات التي يمارسها النظام بحق الشعب الأعزل. هو إجلالٌ للروح الإبداعية للشعب السوري التي تجلّت في أروع صورها مع انطلاق ثورة الحرية. كما وُجِّهَت على صفحات المهرجان تحيات لكل من عمر أميرالاي وأسامة محمد ومحمد ملص ونبيل المالح وهالا العبد الله وهيثم حقي. برأي المنظمين، هؤلاء ساهموا بتغيير بنية المجتمع السوري، لذلك هو أيضا تحية لجهودهم ولمواقفهم التي بقيت نفسها قبل الثورة وبعدها. وفي الوقت نفسه هو دعوة للجميع للتمثل بهم والعمل معهم لصياغة سينما حرة تنسجم مع سوريا الجديدة.
المهرجان الذي بدأ دورته الأولى تحت شعار "سينما في ساحة الحرية"، كانت فكرته عدم فرز الأجناس الفيلمية عن بعضها البعض. فشمل أفلاماً متنوعةً؛ "الروائية، الأنيميشن، التسجيليّة التي التقطت أثناء التظاهرات وتحت الرصاص...". بعد نجاح المهرجان وتفاعل المشاهدين وإقبالهم الكثيف قرر المنظمون فرز الأنواع الفنيّة كلٌّ في تظاهرة خاصّة به.
لذا وعلى هامش المهرجان بدأت منذ أسبوع تظاهرة أفلام "الأنيميشن"، ضمت عشرة أفلام، تنوعت جنسيات مخرجيها بين "سورية وأردنيّة، فرنسيّة وهولنديّة". أما عن سبب اختيار هذا النوع من الأفلام يقول أحد المنظمين إن عدم انتشاره في العالم العربي دفعهم لتسليط الضوء على أهميته بنقل ما يجري على الأرض من ممارسات بحق الشعوب ولأنه لا يقل أهمية عن الأنواع الأخرى التي سيكون لها أيضا تظاهرات خاصّة بها.
الموت الذي بات يتمشى بين السوريين مختالاً، يخطف أرواح من يريد ويزرع الآلام في القلوب، صار جزءاً من يوميات السوريين ومحفزا لاستمرارهم. يحملون الأحلام ممزوجة بدموعهم وأوجاعهم ويحولونها فنّاً بات ينبض إبداعاً.